سورة الأنعام - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}
{نُهِيتُ} صرفت وزجرت، بما ركب فيّ من أدلة العقل، وبما أوتيت من أدلة السمع عن عبادة ما تعبدون {مِن دُونِ الله} وفيه استجهال لهم ووصف بالاقتحام فيما كانوا فيه على غير بصيرة {قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ} أي لا أجري في طريقتكم التي سلكتموها في دينكم من اتباع الهوى دون اتباع الدليل، وهو بيان للسبب الذي منه وقعوا في الضلال، وتنبيه لكل من أراد إصابة الحق ومجانبة الباطل {قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً} أي إن اتبعت أهواءكم فأنا ضال وما أنا من الهدى في شيء يعني أنكم كذلك. ولما نفى أن يكون الهوى متبعاً نبه على ما يجب اتباعه بقوله: {قُلْ إِنّى على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى} ومعنى قوله: {إِنّى على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى وَكَذَّبْتُم بِهِ}: إني من معرفة ربي وأنه لا معبود سواه، على حجة واضحة وشاهد صدق {وَكَذَّبْتُم بِهِ} أنتم حيث أشركتم به غيره. ويقال: أنا على بينة من هذا الأمر وأنا على يقين منه، إذا كان ثابتاً عندك بدليل. ثم عقبه بما دل على استعظام تكذيبهم بالله وشدة غضبه عليهم لذلك وأنهم أحقاء بأن يغافصوا بالعذاب المستأصل فقال: {مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} يعني العذاب الذي استعجلوه في قولهم: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} [الأنفال: 32] {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ} في تأخير عذابكم {يَقْضي الحق} أي القضاء الحق في كل ما يقضي من التأخير والتعجيل في أقسامه {وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين} أي القاضين. وقرئ: {يقص الحق} أي يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدّره، من قص أثره {لَّوْ أَنَّ عِندِى} أي في قدرتي وإمكاني {مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من العذاب {لَقُضِىَ الامر بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} لأهلكتكم عاجلاً غضباً لربي وامتعاضاً من تكذيبكم به. ولتخلصت منكم سريعاً {والله أَعْلَمُ بالظالمين} وبما يجب في الحكمة من كنه عقابهم.
وقيل {على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى} على حجة من جهة ربي وهي القرآن {وَكَذَّبْتُم بِهِ} أي بالبينة. وذكر الضمير على تأويل البيان أو القرآن.
فإن قلت: بم انتصب الحق؟ قلت: بأنه صفة لمصدر يقضي أي يقضي القضاء الحق. ويجوز أن يكون مفعولاً به من قولهم: قضى الدرع إذا صنعها، أي يصنع الحق ويدبره. وفي قراءة عبد الله: {يقضى بالحق} فإن قلت: لم أسقطت الياء في الخط؟ قلت: إتباعاً للخط اللفظ، وسقوطها في اللفظ لالتقاء الساكنين.


{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)}
جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة، لأنّ المفاتح يتوصل بها إلى ما في المخازن المتوثق منها بالأغلاق والأقفال. ومن علم مفاتحها وكيف تفتح، توصل إليها، فأراد أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده لا يتوصل إليها غيره كمن عنده مفاتح أقفال المخازن ويعلم فتحها، فهو المتوصل إلى ما في المخازن. والمفاتح: جمع مفتح وهو المفتاح. وقرئ: {مفاتيح}، وقيل: هي جمع مفتح- بفتح الميم- وهو المخزن. {وَلاَ حَبَّةٍ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ} عطف على ورقة وداخل في حكمها، كأنه قيل: وما يسقط من شيء من هذه الأشياء إلا يعلمه. وقوله: {إِلاَّ فِي كتاب مُّبِينٍ} كالتكرير لقوله: {إِلاَّ يَعْلَمُهَا} لأنّ معنى {إِلاَّ يَعْلَمُهَا} ومعنى {إِلاَّ فِي كتاب مُّبِينٍ} واحد. والكتاب المبين: علم الله تعالى، أو اللوح: وقرئ: {ولا حبةٌ ولا رطبٌ ولا يابسٌ} بالرفع. وفيه وجهان: أن يكون عطفاً على محل {مِن وَرَقَةٍ} وأن يكون رفعاً على الابتداء وخبره {إِلاَّ فِي كتاب مُّبِينٍ}: كقولك: لا رجل منهم ولا امرأة إلاّ في الدار.


{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)}
{وَهُوَ الذى يتوفاكم باليل} الخطاب للكفرة، أي أنتم منسدحون الليل كله كالجيف {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار} ما كسبتم من الآثام فيه {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} ثم يبعثكم من القبور في شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم، من النوم بالليل، وكسب الأثام بالنهار، ومن أجله، كقولك: فيم دعوتني؟ فتقول: في أمر كذا {ليقضى أَجَلٌ مّسَمًّى} وهو الأجل الذي سماه وضربه لبعث الموتى وجزائهم على أعمالهم. {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} وهو المرجع إلى موقف الحساب {ثُمَّ يُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في ليلكم ونهاركم.

10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17